علامات مرض القلب:
قد يمرض قلب العبد، ويشتد المرض، ولا يعرف به صاحبه، بل قد يموت وصاحبه لا يعرف بموته، وعلامة مرضه أو موته، أن صاحبه لا تؤلمه جراحات المعاصي، ولا يوجعه جهله بالحق، وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان حيًّا تألم بورود القبائح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته، وقد يشعر بالمرض، ويشتد عليه مرارة الدواء، فهو يؤثر بقاء الألم على مشقة الدواء.
ومن علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة إلى الضارة، وعدولها عن الدواء النافع إلى دائها الضار، فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضدّ ذلك، وأنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن.
علامات صحة القلب:
أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها، أو أبنائها، جاء إلى هذه الدار غريبًا يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه، كما قال لعبد الله بن عمر: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»[1].
وكلما مرض القلب آثر الدنيا، واستوطنها، حتى يصير من أهلها.
* ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله، ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، فيستغنى بحبه عن حب ما سواه، وبذكره عن ذكر ما سواه، وبخدمته عن خدمة ما سواه.
* ومن علامات صحة القلب: أنه إذا فاته وِرْدهُ أو طاعة من الطاعات، وجَدَ لذلك ألمًا أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده.
* ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.
قال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سُرت الأشياء كلها بخدمته، ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه [2].
* ومن علامات صحته: أن يكون همه واحدًا، وأن يكون في الله يعني في طاعة الله-.
* ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعًا كأشد الناس شحًّا بماله.
* ومن علامات صحته: أن يكون إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا ووجد فيها راحته، ونعيمه وقرةَ عينه، وسرور قلبه.
* ومن علامات صحته: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به.
* ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه، والنصيحة، والمتابعة، والإحسان، ويشهد مع ذلك منةَ الله عليه فيه، وتقصيره في حق الله.
أسباب مرضُ القلبِ:
والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهى فتن الشهوات والشبهات.
فالأولى: توجب فساد القصد والإرادة، والثانية: توجب فساد العلم والاعتقاد.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير، عودًا عودًا، فأي قلب أشربه نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض» [3].
فقسّم القلوب عند عرض الفتن عليها إلى قسمين: قلب إذا عُرضت عليه فتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء، فتنكت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسودّ وينتكس، وهو معنى قوله: «كالكوز مجخيًا» أي مكبوبًا منكوسًا، فإذا اسودّ وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطيران متراميان به إلى الهلاك.
أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة، والبدعة سنة، والحق باطلًا والباطل حقًّا.
الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول وانقياده للهوى واتباعه له.
وقلب أبيض: قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت الفتنة أنكرها وردها، فازداد نوره وإشراقه.
--------------------
[1] رواه البخاري (11/ 233) الرقاق، وأحمد (2/ 24، 41)، والترمذي (9/ 203) الزهد، وأبو نعيم في الحلية (3/ 301)
[2] أخرجه البيهقي في الزهد الكبير (2/ 239- 734).
[3] رواه مسلم (2/ 270، 272) الإيمان.
الكاتب: د: أحمد فريد.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.